متن الحديث.. عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) رواه البخاري ومسلم.
الشرح:
الإسلام في حقيقته هو اتباع الرسل عليهم السلام فيما بعثهم الله به من الشرائع في كل زمان، فهم الطريق لمعرفة مراد الله من عباده، فكان الإسلام لقوم موسى أن يتبعوا ما جاء به من التوراة.
وكان الإسلام لقوم عيسى اتباع ما أنزل عليه من الإنجيل، وكان الإسلام لقوم إبراهيم اتباع ما جاء به من البينات والهدى، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، فأكمل الله به الدين، ولم يرتض لأحد من البشر أن يتعبده بغير دين الإسلام الذي بَعث به رسوله.
يقول الله عزوجل: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85) ، فجميع الخلق بعد محمد صلى الله عليه وسلم ملزمون باتباع هذا الدين، الذي ارتضاه الله لعباده أجمعين.
ومن طبيعة هذا الدين - الذي ألزمنا الله باتباعه - أن يكون دينا عالميا، صالحاً لكل زمان ومكان، شمولياً في منهجه، متيناً في قواعده، راسخاً في مبادئه؛ ومن هنا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بين أيدينا بالبناء القوي، والصرح العظيم، ثم بين في الحديث الأركان التي يقوم عليها صرح الإسلام.
وأول هذه الأركان وأعظمها: كلمة التوحيد بطرفيها: " لا إله إلا الله، محمد رسول الله "، فهي المفتاح الذي يدخل به العبد إلى رياض الدين، ويكون به مستحقاً لجنات النعيم، أما الطرف الأول منها " لا إله إلا الله " فمعناه أن تشهد بلسانك مقرا بجنانك بأنه لا يستحق أحد العبادة إلا الله تبارك وتعالى.
فلا نعبد إلا الله، ولا نرجو غيره، ولا نتوكل إلا عليه، فإذا آمن العبد بهذه الكلمة ملتزمًا بما تقتضيه من العمل الصالح، ثبته الله وقت الموت، وسدد لسانه حتى تكون آخر ما يودع به الدنيا، و (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة) .
أما شهادة أن محمداً رسول الله، فتعني أن تؤمن بأنه مبعوث رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً إلى الخلق كافة، كما يقول الله سبحانه: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف: 58).
ومن مقتضى هذه الشهادة أن تؤمن بأن شريعته ناسخة لما سبقها من الأديان؛ ولذلك أقسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم.
ومن مقتضاها أن تؤمن وتعتقد أن كل من لم يصدّق بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يتّبع دينه، فإنه خاسر في الدنيا والآخرة، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، سواء أكان متبعا لديانة منسوخة أو محرفة أخرى، أم كان غير متدين بدين، فلا نجاة في الآخرة إلا بدين الإسلام، واتباع خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
ومن الملاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشهادتين ركنا واحد؛ وفي ذلك إشارة منه إلى أن العبادة لا تتم إلا بأمرين، هما: الإخلاص لله: وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى الشهادة بأنه رسول الله.
الركن الثاني: إقامة الصلاة المفروضة على العبد، فالصلاة صلة بين العبد وربه، ومناجاة لخالقه سبحانه، وهي الزاد الروحي الذي يطفيء لظى النفوس المتعطشة إلى نور الله، فتنير القلب، وتشرح الصدر.
وللصلاة مكانة عظيمة في ديننا؛ إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وقد فرضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه بشر، وفي أشرف الليالي، ففي ليلة الإسراء في السماء السابعة، جاء الأمر الإلهي بوجوبها، فكانت واجبة على المسلم في كل حالاته، في السلم والحرب، والصحة والمرض، ولا تسقط عنه أبداً إلا بزوال العقل.
وكذلك فإنها العلامة الفارقة بين المسلم والكافر، يدل على ذلك ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم.
وثالث هذه الأركان: إيتاء الزكاة، وهي عبادة مالية فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده، طهرة لنفوسهم من البخل، ولصحائفهم من الخطايا، كيف لا؟ وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (التوبة: 103) ، كما أن فيها إحسانا إلى الخلق، وتأليفا بين قلوبهم، وسدا لحاجتهم، وإعفافا للناس عن ذل السؤال.
وفي المقابل: إذا منع الناس زكاة أموالهم كان ذلك سببا لمحق البركة من الأرض، مصداقاً لحديث بريدة رضي الله عنه: (ما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر) رواه الحاكم و البيهقي، وقد توعد الله سبحانه وتعالى مانعي الزكاة بالعذاب الشديد في الآخرة، فقال تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} (آل عمران: 180).
وقد جاء في صحيح مسلم في شرح قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (التوبة: 34) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ، فكان عقابه من الله بماله الذي بخل به على العباد.
الركن الرابع: صيام رمضان، وهو موسم عظيم، يصقل فيه المسلم إيمانه، ويجدد فيه عهده مع الله، وهو زاد إيماني قوي يشحذ همته ليواصل السير في درب الطاعة بعد رمضان، ولصيام رمضان فضائل عدّة، فقد تكفل الله سبحانه وتعالى لمن صامه إيمانا واحتسابا بغفران ما مضى من ذنوبه، ، وحسبُك من فضله أن أجر صائمه غير محسوب بعدد.
أما خامس هذه الأركان: فهو الحج إلى بيت الله الحرام، ، وقد فرض في السنة التاسعة للهجرة، يقول الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران: 97) ، وقد فرضه الله تعالى تزكية للنفوس.
وتربية لها على معاني العبودية والطاعة، فضلاً على أنه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب، فقد جاء في الحديث: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذه الأركان الخمسة، قام صرح الإسلام العظيم، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح أحوالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصدر: موقع إسلام ويب